الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***
مسألة: وقف تعطل ريعه وفيه إمام وغيره فهل يلزم الناظر أن يستدين على الوقف ويعطيهم. الجواب: لا يلزمه ذلك مسألة: المسجد المعلق على بناء الغير أو على الأرض المحتكرة إذا زالت عينه هل يزول حكمه بزوالها. الجواب: نعم يزول حكمه إذ لا تعلق لوقفية المسجد بالأرض وإنما قال الأصحاب إذا انهدم المسجد وتعذرت إعادته لم يصر ملكا إذا كانت الأرض من جملة وقف المسجد بدليل تعليلهم ذلك بأن الصلاة تمكن في عرصته على أن في صحة وقف المسجد على الأرض المحتكرة نظرا لأن بعض أئمتنا أفتى بأن الوقف في أرض مستأجرة إذا كان ريعه لا يفي بالأجرة أو وفى بها ولم يزد لا يصح وقفه ابتداء لأنه ملحق بما لا ينتفع به، ومعلوم أن المسجد لا ريع له توفى منه أجرة الأرض وعلى تقدير أن يكون الواقف استأجرها مدة وأدى أجرتها فبعد انتهاء تلك المدة لا يلزم الواقف الأجرة فلا يبقى إلا تفريغ الأرض منه وعلى تقدير صحة الوقف لاشك في زوال حكمه بزوال عينه ويبني مالك الأرض مكانه ما شاء. مسألة: رجل وقف على أولاده وأولادهم ونسلهم وعقبهم تحجب الطبقة العليا السفلى أبدا على أن من مات منهم ولم يخلف ولدا ولا أسفل منه من ولد الظهر أو البطن ينتقل نصيبه لمن في درجته فإذا انقرضوا كان وقفا على محمد وحليمة وخديجة على أن من مات منهم انتقل نصيبه لمن بقي ثم من بعدهم على أولادهم ونسلهم تحجب الطبقة العليا السفلى على ما تقدم تفصيله في أولاد الواقف وانقرضوا وآل الأمر إلى الثلاثة المذكورين فمات محمد عن غير نسل ثم ماتت حليمة عن بنت وخديجة عن ابن بنت فهل يشتركان في الوقف لقوله إنهم على التفصيل المذكور في أولاد الواقف وقد قال هناك أن من لم يخلف منهم ولدا ولا أسفل منه ينتقل لمن في درجته ومفهومه إنه إذا خلف ولدا ما يختص به ولا ينتقل أم تستحق البنت دون ابن البنت. الجواب: تستحق البنت فقط دون ابن البنت بصريح قوله تحجب الطبقة العليا السفلى وأيضا فإن الوقف لا ينتقل لأولاد الثلاثة المذكورين إلا بعد انقراضهم كلهم لقوله على أن من مات منهم ينتقل نصيبه لمن بقي ثم من بعدهم لأولادهم فلم يجعل 00للأولاد حقا إلا بعد انقراض جميع الثلاثة ثم اعتبر الأعلى فالأعلى فلا حق لابن البنت لأنه محجوب بالعليا. مسألة: رجل وقف وقفا على جهات وشرط أن ما فضل يصرف للفقراء والمساكين وله أخ وللأخ أربعة أولاد بصفة الفقر والمسكنة فهل للناظر أن يصرف لهم منه. الجواب: نعم بل هم أولى من الأجانب مسألة: رجل وقف في مرض موته على أولاده ثم نسلهم فإذا انقرضوا فعلى أولاد أخته، ومات ثم ماتت أولاده وهم أطفال بعد شهر وله عاصب فطلب أولاد أخته الوقف ونازعهم العاصب وقال إن الوقف لم يصح لأنه صدر في مرض الموت. الجواب: المنقول في هذه المسألة أن الموقوف إن احتمله الثلث صح في قدر الثلث ولم يحتج إلى إجازة وإن كان وقفا على وارث وإن زاد على الثلث صح في قدر الثلث ووقف الزائد على الإجازة فإذا مات الأولاد قبل البلوغ فلوارثهم رد الوقف في القدر الزائد خاصة وأما قدر الثلث هو لأولاد الأخت لا يجوز إبطاله مسألة: رجل وقف وقفا وشرط فيه النظر لمن يصلح من الذرية فثبت صلاح واحد منهم وحكم له بالنظر ثم بعد ذلك أثبت حاكم آخر صلاح امرأة منهم وحكم لها بالنظر فهل يشتركان أو تقدم المرأة. الجواب: إذا شرط الواقف النظر لمن يصلح من الذرية ولم يزد على ذلك وثبتت الصلاحية للرجل وحكم له بالنظر فلا حق للمرأة بعد ذلك ولو كانت تصلح ولا يظن اختصاص ذلك بصيغة أفعل التفضيل بل هو في هذه الصيغة أيضا لأن الحق إذا ثبت لواحد لم ينتقل إلى غيره ولم يتعده بل لو شرط الواقف بصيغة أفعل التفضيل كالأصلح والأرشد وثبت الأصلحية والأرشدية لواحد وحكم له به ثم وجد بعد ذلك من صار أصلح وارشد لم ينتقل له الحق لأن العبرة بمن فيه هذا الوصف في الابتداء لا في الأثناء وإلا لم يستقر نظر لأحد، ونظير ذلك إذا قلنا لا تنعقد إمامة المفضول 0مع وجود الفاضل فذاك في الابتداء لا في الدوام، ومقصود الواقف تفويض النظر إلى واحد يصلح لا إلى كل من يصلح وإلا لأدى إلى جعل النظر لجميع الذرية إذا كانوا صالحين ويحصل بسبب ذلك من اختلاف الكلمة ما يؤدي إلى فساد الوقف فالأولى حمل (من) في كلام الواقف على النكرة الموصوفة لا على الموصولة وحينئذ لا عموم لها فإنها نكرة في الِإثبات فلا تعم بل لو فرض فيها عموم كان من عموم البدل لا من عموم الشمول. مسألة: واقف وقف على أولاده ثم أولادهم بالفريضة الشرعية ومن مات منهم انتقل نصيبه إلى ولده ثم إلى ولد ولده بالفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الانثيين فإن لم يكن فإلى اخوته وأخواته فإن لم يكن فإلى أقرب الطبقات إليه على ما شرح فآل الأمر إلى أن ماتت امرأة من أولاد الأولاد عن أولاد عم ثلاثة محمد وخاتون أخوان وفاطمة بنت عم فهل تنتقل حصتها إلى الثلاثة أو إلى محمد فقط كما في حكم الفريضة الشرعية التي عول عليها الواقف من أن ابن العم لا تشاركه اخوته ولا ابن عمه. الجواب: الظاهر انتقال حصتها إلى الثلاثة لعموم قوله أقرب الطبقات، وأما قوله بالفريضة الشرعية فمحمول على تفضيل الذكر على الأنثى في الأسهم فقط ويؤيد هذا الحمل أمور أحدها قوله عقب ذلك للذكر مثل حظ الانثيين فهذه جملة مفسرة للمراد بذكر الفريضة الشرعية، الثاني أن الفريضة معناها الوضعي المقدرة لا مدلول لها غير ذلك والتقدير من صفات الأنصباء كما قال تعالى (نصيبا مفروضا) فلا دلالة للفظ الفريضة على منع ولا تأخير، الثالث أنا لو أخذنا بحكم الفريضة الشامل لما ذكر لم نعط بنت العم شيئا البتة وأن فقد ابن العم لأن حكم الفرائض أنها لا ميراث لها البتة ولا يقول به أحد هنا فتعين تخصيصه بما ذكرنا. مسألة: رجل وقف على أولاده الذكور وسماهم وقال ومن توفى منهم انتقل نصيبه إلى ولده وولد ولده وأن الذكور خاصة تحجب الطبقة العليا منهم أبدا. 0الطبقة السفلى فإن لم يكن للمتوفى ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك رجع نصيبه إلى إخوته المشاركين له في هذا الوقف مضافا لما بأيديهم، وتوفى الواقف عن أربعة أولاد ثم مات أحد الأربعة عن ثلاثة ذكور فأخذوا نصيبه ثم مات الثاني عن ولد ذكر فأخذ نصيبه ثم مات الثالث عن ولدين صغيرين وولدي ولد فأخذ ولداه نصيبه ثم مات الولدان الصغيران عن ولدي أخيهما وعن عمهما فهل يرجع نصيبهما إلى ابني أخيهما عملا بواو العطف ولحرص الواقف على وصول نصيب كل أصل إلى فرعه بقوله فإن لم يكن للمتوفي منهم ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك ولزوال من حجبهما من ذلك عند موت جدهما أو إلى عمهما. الجواب: يرجع إلى العم دون ولدي الأخ عملا بقوله تحجب الطبقة العليا السفلى، وما ذكر من التعاليل الثلاثة فاسد أما قوله عملا بواو العطف فإنها لم يقصد بها التشريك مطلقا بل تفيد حجب العليا السفلى وإلا لاستحق ولد الأخ مع وجود عميهما ولا قائل به، وأما قوله ويحرص الواقف إلى آخره فقد قال السبكي في فتاويه في مسألة وقفية ذكر فيها شبه ذلك المقاصد إذا لم يدل عليها اللفظ لا تعتبر، وأما قوله ولزوال من حجبهما إلى آخره فذاك إنما يعتبر ابتداء عند موت الأصل الذي هذان فرعاه وأما زواله في الأثناء بعد انتقال الوقف إلى جهة ليس هذان فرعيه فلا عبرة به بل هذا موت جديد لجهة غير الأولى ينظر نظرا آخر ألا ترى أنه لو مات هذان الولدان عن نسل لاستحق نسلهما ما كان بيدهما ولم يعد إلى ولد الأخ شيء فعرف أن زوال الحاجب في مثل ذلك لا أثر له وإلا لاستحقا مع وجود النسل وكانا يقولان قد زال الحاجب لنا وحينئذ نقول هذا مستحق مات عن غير نسل وشرط الواقف حينئذ العود إلى الأخوة المشاركين ولا أخوة مشاركون فانتقلنا إلى أعلى طبقة وهو العم عملا بتقديم العليا على السفلى وأكد ذلك قول الواقف المشاركين له في هذا الوقف مضافا لما بأيديهم والعم مشارك بيده حصة وولدا الأخ لا شيء بأيديهما فلا مشاركة لهما وهذا القدر المؤكد علاوة وليس المعول عليها بل المعول على ما صدر نابه. 0 مسألة: أرض من أراضي مصر بيد جماعة بكرية يستغلونها فسألهم السلطان عن مستندهم فأظهروا محضرا ثابتا على حاكم شافعي أنها وقف السلطان صلاح الدين بن أيوب عليهم بشهادة جماعة مستندهم السماع وإن لم يصرحوا به وحكم بموجب ذلك فهل يستحقون ذلك وهل للإمام أن يقف بعض أراضي مصر على مثل هذه الجهة من غير أن يشتريها من بيت المال وهل للمخالف الذي يرى أن مصر فتحت عنوة وأن أراضيها لا تملك أن يتعرض لإبطال ذلك. الجواب: نعم للإمام أن يقف بعض أراضي بيت المال من غير شراء على مثل الجهة المذكورة على الأصح في المذهب فقد نص الشافعي على ما يشهد لذلك وصرح بصحته القاضي حسين وأفتى به ابن أبي عصرون وأسعد الميهني والشاشي وابن الصلاح والنووي وقال ابن الرفعة في المطلب أنه المذهب وصرح كل منهم بأنه لا يجوز لمن يأتي بعد تغييره وأما السبكي فاختار لنفسه أنه لا يجوز للإمام الوقف لكن ما وجدناه موقوفا لأحد من الأئمة ليس لنا أن نغيره فالحاصل أن عدم التغيير متفق عليه وقد حكى ابن الصلاح في مجاميعه صورة استفتاء في أراضي وقفها الخليفة أو السلطان نائب الخليفة على رجل ثم عقبه هل يصح وهل يجوز لأحد من الولاة تغييره وصرفه إلى جهة أخرى فأجاب علماء ذلك العصر من سائر المذاهب أن الوقف صحيح ولا يملك أحد من خلق الله اعتراضه ولا تغييره ومن جملة من أفتى في هذه الواقعة ابن أبي عصرون وهو كان عين الشافعية في زمن السلطانين العادلين نور الدين الشهيد وصلاح الدين بن أيوب وكان مفتيهما وقاضيهما وقد نص العلماء على أنهما ما وقفا الذي وقفاه إلا بإفتائه. فالحاصل أن وقف هذه الأرض على المذكورين صحيح ولا يجوز لأحد تغييره ولا نقله إلى جهة أخرى وثبوت ذلك بالشهادة المستندة إلى الاستفاضة حيث لم يصرحوا بذلك صحيح أما في الوقف فأصلا وأما في المستحقين فضمنا كما قاله ابن الصلاح وابن الفركاح وليس للمخالف الذي يرى أن مصر فتحت عنوة أن يتعرض لذلك بنقض ولا إبطال لأنه إن كان حكم 0بصحته في الأصل حاكم شافعي فذاك وإلا فمعناه أمران أحدهما ثبوت الوقف بما ذكر وما ثبت وقفه قديما لا يتعرض له لأن الظاهر وقوعه مستجمعا للشرائط والثاني حكم الشافعي المتأخر وأمر ثالث وهو أن بعض المتأخرين ذكر أن أمر الإمام الأعظم وفعله يرفعان الخلاف كحكم الحاكم تفخيما لشأنه ونص العلماء على أن السلطان صلاح الدين ما وقف الذي وقفه حتى أفتاه بذلك علماء عصره من الشافعية والحنفية والحنابلة ولولا إرادة الاختصار لسقت عباراتهم في ذلك. مسألة: إذا ثبت وقفية عين ولم يعلم مآل الوقف وقلنا إنه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف هل يختص به الفقراء دون الأغنياء أم يشتركون فيه. الجواب: يختص به الفقراء من أقاربه على الأصح فإن كانوا كلهم أغنياء صرف إليهم. مسألة: رجل وقف مصحفا على من يقرأ فيه كل يوم حزبا ويدعو له وجعل له على ذلك معلوما من عقار وقفه لذلك فأقام القارئ مدة يتناول المعلوم ولم يقرأ شيئا ثم أراد التوبة فما طريقه. الجواب: طريقه أن يحسب الأيام التي لم يقرأ فيها ويقرأ عن كل يوم حزبا ويدعو عقب كل حزب للواقف حتى يوفى ذلك. مسألة: واقف وقف مدرسة وقرر بها شيخا وصوفية فهل يجوز للناظر أن يقرر في المشيخة اثنين وهل يجوز للشيخ الاستنابة إذا كان به ضعف في بدنه أو كان له وظيفة أخرى تعارض هذه الوظيفة. الجواب: أوقاف السلاطين والأمراء كلها أصلها من بيت المال أو راجعة إليه فيجوز لمن كان بصفة الاستحقاق من بيت المال من عالم بالعلوم الشرعية وطالب علم كذلك وصوفي على طريق الصوفية أهل السنة ونسيب من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل مما وقفوه غير متقيد بما شرطوه ويجوز والحالة هذه الاستنابة لعذر وغيره وتناول المعلوم وإن لم يباشر ولا استناب واشتراك اثنين فأكثر في الوظيفة الواحدة وأخذ الواحد عدة وظائف، ومن لم يكن بصفة الاستحقاق من بيت المال لم يحل له 0الأكل من هذا الوقف ولو قرره الناظر وباشر الوظيفة لأن هذا مال بيت المال لا يتحول عن حكمه الشرعي بجعل أحد وما يتوهمه كثير من الناس من دخوله في ملك الذي وقفه فهو توهم فاسد لا يفيد في باطن الأمر وأما الأوقاف التي ملكها واقفوها فلها حكم آخر وهي قليلة بالنسبة إلى تلك. مسألة: إذا عجز الوقف عن توفية جميع المستحقين فهل تقدم منه الشعائر والشيخ أم لا. الجواب: ينظر في هذا الوقف فإن كان أصله من بيت المال كمدارس الديار المصرية وخوانقها روعى في ذلك صفة الأحقية من بيت المال فإن كان في أرباب الوظائف من هو بصفة الاستحقاق من بيت المال ومن ليس كذلك قدم الأولون على غيرهم كالعلماء وطلبة العلم وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانوا كلهم بصفة الاستحقاق منه قدم الأحوج فالأحوج والأفقر فالأفقر فإن استووا كلهم في الحاجة قدم الاكد فالاكد فيقدم المدرس أولا ثم المؤذن ثم الإمام ثم القيم، وإن كان الوقف ليس ما أخذه من بيت المال اتبع فيه شرط الواقف فإن لم يشرط تقديم أحد لم يقدم أحد بل يقسم بين جميع أهل الوقف بالسوية الشعائر وغيرهم. مسألة: المدارس المبنية الآن بالديار المصرية وغيرها ولا يعلم للواقف نص على أنها مسجد لفقد كتاب الوقف ولا يقام بها جمعة هل تعطى حكم المسجد أو لا.
الجواب: المدارس المشهورة الآن حالها معلوم فمنها ما علم نص الواقف أنها مسجد كالشيخوخة في الإيوانين خاصة دون الصحن، ومنها ما علم نصه أنها ليست بمسجد كالكاملية والبيبرسية فإن فرض ما لم يعلم فيه ذلك ولو بالاستفاضة لم يحكم بأنها مسجد لأن الأصل خلافه. مسألة: قالوا إن المسجد الموقوف على قوم مخصوصين لا يجوز لأحد أن يدخله أو يصلي فيه إلا بإذنهم فهل المدارس والربط كذلك وهل يجوز للموقوف عليهم الإذن في الانتفاع مطلقا بالنوم والجلوس والأكل واجتماع الخصوم والقضاء بينهم وإقراء الصبيان أو هو مقيد بما كان على وفق شرط الواقف. الجواب: المسجد الموقوف على معينين هل يجوز لغيرهم دخوله والصلاة فيه والاعتكاف بإذن الموقوف عليهم، نقل الأسنوي في الألغاز أن كلام القفال في فتاويه يوهم المنع ثم قال الأسنوي من عنده والقياس جوازه، وأقول الذي يترجح التفصيل فإن كان موقوفا على أشخاص معينة كزيد وعمرو وبكر مثلا أو ذريته أو ذرية فلان جاز الدخول بإذنهم وإن كان على أجناس معينة كالشافعية والحنفية والصوفية لم يجز لغير هذا الجنس الدخول ولو أذن لهم الموقوف عليهم فإن صرح الواقف بمنع دخول غيرهم لم يطرقه خلاف البتة وإذا قلنا بجواز الدخول بالإذن في القسم الأول في المسجد والمدرسة والرباط كان لهم الانتفاع على نحو ما شرطه الواقف للمعينين لأنهم تبع لهم وهم مقيدون بما شرطه الواقف. مسألة: جامع له ناظر فاتفق موت إمامه والناظر مسافر فقرر السلطان إماما فهل للناظر إذا حضر عزله وتقرير خلافه. الجواب: إذا ولي السلطان إماما بعد موت الإمام الأول والوظيفة شاغرة والناظر مسافر فهي ولاية صحيحة يلزم الناظر إبقاءها وليس له عزله وتقرير خلافه.
بسم الله الرحمن الرحيم مسألة: أمير وقف خانقاه ورتب بها شيخا وصوفية وجعل لهم دراهم وزيتا وصابونا وخبزا ولحما فضاق الوقف فهل يقدم الشيخ على الصوفية أو يصرف بينهم بالمحاصة وهل يقتصر على صنف من الأصناف التي عينها الواقف ويترك الباقي أو يأخذون من جميع الأصناف التي عينها الواقف بالمحاصة وهل تجوز الاستنابة في شيء من الوظائف أم لا. الجواب: أقول أولا وبالله التوفيق: الأوقاف قسمان قسم ليس مأخذه من بيت المال ولا مرجعه إليه وهذا الوقف مبناه على التشديد والتحريص لا يجوز تناول ذرة منه إلا مع استيفاء ما شرطه الواقف لأنه مال أجنبي لم يخرج عن ملكه إلا على وجه مخصوص بالشرط المذكور، وقسم مأخذه من بيت المال بأن يكون واقفه خليفة أم ملكا من الملوك السابقة كصلاح الدين بن أيوب وأقاربه، أو مرجعه إلى بيت المال كأوقاف أمراء الدولة القلاوونية ومن بعدهم إلى زماننا هذا وإنما قلنا إن مرجعه إلى بيت المال لأن واقفيه أرقاء بين المال وفي ثبوت عتقهم نظر وقد ذكر الشيخ تاج الدين بن السبكي في واقعة وقعت بعد السبعمائة وهي عبد انتهى الملك فيه لبيت المال فأراد شراء نفسه من وكيل بيت المال فأفتى جماعة بالمنع لأن ذلك عقد عتاقة وعبد بيت المال لا يجوز عتقه وأفتى آخرون بالجواز لأنه عقد بعوض لا مجانا فلم يضع منه على بيت المال شيء واختار ابن السبكي هذا الثاني أورده في الترشيح فإذا اختلف في جواز العتق بعوض فما ظنك به بغير عوض وإنما لم ينص متقدمو الأصحاب على هذه المسألة بخصوصها لأنها لم تعم بها البلوى في زمنهم وإنما كثر ذلك بعد الستمائة، وقد قام الشيخ عز الدين بن عبد السلام - لما حدث ذلك في زمنه - القومة الكبرى في بيع الأمراء وقال هؤلاء عبيد بيت المال ولا يصح عندي عتقهم، وروى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر بسنده عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل إليه بعض أولاد خلفاء بني أمية فقال له أعطني حقي من بيت المال فقال له عمر ما أحوجك إلى أن أبيعك وأصرف ثمنك في مصالح المسلمين قال وكيف قال لأن أباك وهو خليفة أخذ أمك من رقيق بيت المال واستولدها إياك ولم يكن له ذلك فهو زان وأنت عبد بيت المال، وفي طبقات الحنفية في ترجمة بعض علمائهم أنه كان من مماليك الخليفة الناصر فاشتغل بالعلم وبرغ وصار إماما قائما بالتدريس والإفتاء فأرسل إليه الخليفة الناصر بعتقه وقال له إنك قائم بنفع المسلمين فرد إليه العتاقة وقال أنا عبد بيت المال فلا يصح عتقي. فإن قال قائل فقد ذكر الأصحاب 0في الأسير أن الإمام يتخير فيه بين القتل والمن والاسترقاق قلنا لا يصح القياس على مسألة الأسير لأنه يجوز تفويته بالقتل فبالمن أولى ولأنه لم يسرف فيه شيء من بيت المال بخلاف هذا الذي اشترى بثمن منه، وأيضا فقد نص الأصحاب على أنه ليس للإمام ذلك في الأسير بالتشهي بل ينظر ما تقتضيه المصلحة فيفعله وثبوت المصلحة في عتق هذا الجم الغفير من مماليك بيت المال متعذر أو متعسر وإن وجدت في واحد أو عشرة أو مائة لا توجد في ألوف مؤلفة وأي مصلحة في عتقهم وجميع ما يراد منهم يمكنهم فعله مع الرق، إذا عرف ذلك عرف أن مرجع ما بأيديهم إلى أنه مال بيت المال فهذا القسم من الأوقاف مبناه على المسامحة والترخيص لأن لكل من العلماء وطلبة العلم من الاستحقاق في بيت المال أضعاف ما يأخذونه منهم، والدليل على هذه التفرقة أمور منها أن الشيخ ولي الدين العراقي لما حكى قول السبكي في إعطاء وظيفة العالم والفقيه لولده الصغير فرق بين الأوقاف الخاصة والتي ما أخذها من بيت المال وأظن الأذرعي سبقه إلى ذلك، ومنها أنه وقع في بعض كلام البلقيني التصريح بأن طلبة العلم يأكلون من هذه الأوقاف الموجودة الآن على وجه أنهم يستحقون من بيت المال ذلك وأكثر منه ذكر ذلك في مجلس عقد بسبب ذلك أيام الظاهر برقوق، ومنها أنك إذا تأملت فتاوى النووي وابن الصلاح وجدتهما يشددان في الأوقاف غاية التشديد وإذا تأملت فتاوى السبكي والبلقيني وسائر المتأخرين وجدتهم يرخصون ويسهلون وليس ذلك منهم لمخالفة للنووي بل كل تكلم بحسب الواقع في زمنه فإن غالب الأوقاف التي كانت في زمن النووي وابن الصلاح كانت خاصة وإنما حدثت أوقاف الأتراك في أواخر القرن السابع وكثرت في القرن الثامن وهو عصر السبكي ومن بعده وقطعت الأرزاق التي كانت تجري على الفقهاء من بيت المال من عهد عمر بن الخطاب إلى الخليفة المستعصم كل عام فرأى العلماء أن هذه الأوقاف أرصدت لهم من بيت المال عوضا عما كانوا يأخذونه منه كل عام فرخصوا فيها لأنهم كانوا 0يأخذون ذلك القدر من غير عمل يكلفونه بل على القيام بالعلم خاصة فمن كان بهذه الصفة جاز له فيما بينه وبين الله الأخذ منها وإن لم يقم بما شرطه الواقف، ومن لم يكن بصفة القيام بالعلم اشتغالا وأشغالا حرم عليه الأخذ منها وإن باشر العمل، وقد قال الدميري في شرح المنهاج سألت شيخنا يعني الأسنوي مرتين عن غيبة الطالب عن الدرس هل يستحق المعلوم أو يعطى بقسط ما حضر فقال إن كان الطالب في حال انقطاعه يشتغل بالعلم استحق وإلا فلا ولو حضر ولم يكن بصدد الاشتغال لم يستحق لأن المقصود نفعه بالعلم لا مجرد حضوره، وكان يذهب إلى أن ذلك من باب الأرصاد، وقال الزركشي في شرح المنهاج ظن بعضهم أن الجامكية على الإمامة والطلب ونحوهما من باب الإجازة حتى لا يستحق شيئا إذا أخل ببعض الصلوات أو الأيام وليس كذلك بل هو من باب الأرصاد والأرزاق المبنى على الإحسان والمسامحة بخلاف الإجازة فإنها من باب المعاوضة ولهذا يمتنع أخذ الأجرة على القضاء ويجوز أرزاقه من بيت المال بالإجماع انتهى، وهذا الذي قاله الزركشي صحيح وهو محمول على الأوقاف التي هي من القسم الثاني كما كان الأكثر في زمانه وإذا قلنا بقوله من الاستحقاق مع الغيبة قلنا به مع الاستنابة من باب أولى ولا نقول بواحد من الأمرين في الأوقاف التي من القسم الأول، وعلى هذا تحمل فتوى النووي بالمنع، ونقول في القسم الثاني بجواز النزول وإعطاء الوظيفة للولد الصغير ولا نقول بذلك في القسم الأول وينبني على ذلك أيضا مسألة تقديم الشيخ فما كان من القسم الأول لا يقدم فيه أحد على أحد إلا بنص من الواقف، وما كان من القسم الثاني ينظر فإن كان الشيخ بصفة الاستحقاق من بيت المال لاتصافه بالعلم وبقية المنزلين ليسوا كذلك قدم الشيخ إذا ضاق الوقف قطعا لأنه منفرد بالاستحقاق، وإن كان الكل بصفة العلم والشيخ أحوج منهم قدم كما يقدم إذا ضاق بيت المال الأحوج فالأحوج، وإن استووا في العلم والحاجة صرف بينهم بالمحاصة من غير تقديم، وينبني على ذلك أيضا مسألة الاقتصار على صنف من الأصناف المقررة ففي القسم الأول لا يقتصر 0بل يصرف من كل صنف بالمحاصة مراعاة لغرض الواقف وفي الثاني يجوز الاقتصار عند الضيق والأولى الاقتصار على النقد لأنه أيسر وبه تحصل سائر الأصناف والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وقع السؤال كثيرا عن الاستنابة في الوظائف فقد عمت البلوى بها وتمسك كثير من النظار في عدم جوازها بما نقل عن النووي وابن عبد السلام إنهما أفتيا بعدم جوازها، وتمسك طائفة منهم في جوازها بما نقله الدميري في شرح المنهاج عن السبكي وغيره إنهم أفتوا بجوازها، وقد أفتيت بذلك غير مرة. وسئلت الآن عن تحرير القول في ذلك من جهة النظر والدليل فوضعت له هذه الكراسة. ونبدأ بنقل كلام السبكي وغيره في ذلك قال السبكي في شرح المنهاج في باب الجعالة ما نصه: فرع- يقع كثيرا في هذا الزمان أمام مسجد يستنيب فيه- أفتى ابن عبد السلام والمصنف بأنه لا يستحق معلوم الإمامة لا المستنيب لعدم مباشرته ولا النائب لعدم ولايته قال واستنبطت أنا من قول الأصحاب أن المجعول إذا استعان بغيره وحصل من غيره العمل على قصد الإعانة منفردا أو مشاركا إذ المجعول له يستحق كمال الجعل أن ذلك جائز وأن المستنيب يستحق جميع المعلوم لأن النائب معين له لكني أشترط في ذلك أن يكون النائب مثل المستنيب أو خيرا منه لأن المقصود في الجعالة رد العبد مثلا ولا يختلف باختلاف الأشخاص والمقصود في الإمامة العلم والدين وصفات أخر فإذا كان المتولي بصفة ونائبه مثله فقد حصل الغرض الذي قصده من ولاه فكان كالصورة المفروضة في الجعالة وإذا لم يكن بصفته لم يحصل الغرض فلا يستحق واحد منهما إن كانت التولية شرطا وإن لم تكن شرطا استحق المباشر لاتصافه بالإمامة المقتضية للاستحقاق، والاستنابة في الإمامة يشبه التوكيل في المباحات، وفي معنى الإمامة كل وظيفة تقبل الاستنابة كالتدريس ونحوه وهذا في القدر الذي لا يعجز عن مباشرته بنفسه أما في ما يعجز عنه فلا إشكال في الاستنابة- هذا كله كلام السبكي، ونقله الشيخ كمال الدين الدميري في شرح المنهاج وأقره ثم قال كان الشيخ فخر الدين بن عساكر مدرسا بالعذراوية والتقوية والجاروخية- وهذه الثلاثة بدمشق- والمدرسة الصلاحية بالقدس يقيم بهذه أشهرا وبهذه أشهرا في السنة هذا مع علمه وورعه قال وقد سئل في هذا الزمان عن رجل ولى تدريس مدرستين في بلدتين متباعدتين كحلب ودمشق فأفتى جماعة بجواز ذلك واستنيب منهم قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي والشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله البعلبكي وشمس الدين الغزي والشيخ عماد الدين الحسباني كلهم من الشافعية، ومن الحنفية والمالكية والحنابلة آخرون انتهى. وأقول قد أباح الله ورسوله وحملة الشرع من جميع المذاهب الاستنابة في عدة مواضع كل واحد منها يصلح على انفراده دليلا مستقلا لجواز الاستنابة في الوظائف وهي قسمان قسم تجوز الاستنابة فيه وإن لم يكن عذر وقسم لا يجوز إلا مع العذر، وأما القسم الأول ففيه فروع: الأول تجوز الاستنابة في غسل أعضاء الوضوء وإن لم يكن له عذر قال النووي ولا نعلم في ذلك خلافا بين المسلمين إلا ما حكاه صاحب الشامل عن داود الظاهري أنه قال لا يصح وضوءه إذا وضأه غيره ورد عليه بأن الإجماع منعقد على خلاف ما قاله، وكذا تجوز الاستنابة في صب الماء على الأعضاء وفي إحضاره للطهارة من غير كراهة فيهما سواء كان له عذر أم لم يكن فهذه ثلاثة فروع، الفرع الرابع: يجوز لمن أراد التيمم أن يستنيب رجلا يطلب عنه الماء سواء كان له عذر أم لا قال النووي هذا هو المذهب الصحيح المشهور، وحكى الخراسانيون وجها أنه لا تجوز الاستنابة إلا لمعذور قال وهذا الوجه شاذ ضعيف، الخامس: يجوز أن يستنيب من ييممه ويمسح أعضاءه بالتراب وإن لم يكن له عذر على الصحيح وفيه الوجه المذكور أنه لا يجوز بلا عذر قال النووي وهو شاذ ضعيف، السادس: كان الأصل في الأذان أن يكون من وظائف الإمام الأعظم لأنه من شعائر الإسلام كالإمامة والحكم بين الناس ولهذا قال عمر رضي الله عنه لو أطيق الأذان مع الخليفي لأذنت فتفويضه إلى غيره استنابة، السابع : الإمامة في الصلاة أيضا من وظائف الإمام الأعظم ولهذا استمر الخلفاء دهرا هم الذين يقيمون الجماعة فتفويض ذلك إلى غيره استنابة ومما يدل على أنها من وظائف الإمام الأعظم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة وعهد إلى أهل الشورى أوصى بأن يصلي صهيب بالناس حتى يجتمعوا على خليفة فلما توفي عمر وحضروا للصلاة عليه أراد عثمان أن يتقدم وذلك قبل البيعة فقال له عبد الرحمن بن عوف ليس ذلك لك الآن إنما هو لصهيب الذي أوصي له، الثامن : من وظائف إمام الصلوات أن يأمر المأمومين بتسوية الصفوف عند إرادة الإحرام فلو كان المسجد كبيرا استناب رجلا يأمرهم بتسويتها، التاسع : يجوز أن يستنيب من ينظر له هل طلع الفجر أو زالت الشمس أو غربت الشمس أو غرب الشفق لأجل الصلوات والصوم ولا يلزمه أن يتولى ذلك بنفسه وان لم يكن له عذر، العاشر: إقامة الجمعة والخطبة من وظائف الإمام الأعظم أيضا على ما قررناه وتفويضه للغير استنابة، الحادي عشر: استخلاف الإمام إذا خرج من الصلاة لحدث أو رعاف رجلا يتم الصلاة بالمقتدين استنابة، الثاني عشر: إذا صلى الإمام الأعظم العيد في الصحراء بالناس استناب رجلا يصلي بالضعفة في المسجد، الثالث عشر والرابع عشر : تجوز الاستنابة في تفرقة الزكاة وفي نيتها، الخامس عشر والسادس عشر : تجوز الاستنابة في صرف الكفارات والصدقات المندوبة، السابع عشر والثامن عشر : تجوز الاستنابة في ذبح الهدى وفي ذبح الأضحية، التاسع عشر : تجوز استنابة أصناف الزكاة في قبضها لهم ذكره في الروضة من زوائده، العشرون : الحكم بين الناس وظيفة الإمام الأعظم فإقامته القضاة لفصل الأحكام استنابة ولم يستنب النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا ولا أبو بكر وأول من استناب عمر - أخرج الطبراني بسند حسن عن السائب ابن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر لم يتخذا قاضيا وأول من استقضى عمر قال رد عني الناس في الدرهم والدرهمين، وأخرج أبو يعلى بسند صحيح عن ابن عمر قال ما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا ولا أبو بكر ولا عمر حتى كان في آخر زمانه قال ليزيد ابن أخت نمر اكفني بعض الأمور يعني صغارها، الحادي والعشرون إلى الثالث والثلاثين: ولاية الحسبة وولاية المظالم وولاية الجرائم وإمارة الجهاد وإمارة سائر الحروب وإمارة تسيير الحجاج وإمارة إقامة الحج وولاية قسم الفيء والغنيمة وولاية الجزية وولاية الخراج وولاية الإقطاع وولاية الديوان وولاية النظر في بيت المال كلها ولايات شرعية وهي من وظائف الإمام وتفويضه إياها لغيره استنابة وهم نواب له، وقد عقد لها الماوردي أبوابا في كتاب الأحكام السلطانية فليت شعري كيف تنكر الاستنابة في عمل وظيفة ونواب الإمام الأعظم طبقت الدنيا في كل بلد في أنواع الأعمال التي كلها وظائفه ومطوقة به شرعا ومتعلقة بذمته ومطوقة بعنقه يسأل عنها يوم القيامة عملا عملا، الرابع والثلاثون : لولي النكاح أن يستنيب رجلا في تزويج موليته، الخامس والثلاثون : قال الماوردي وأقره النووي لو استأجره لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يصح وأما الجعالة عليها فان كان على مجرد الوقوف عند القبر ومشاهدته لم يصح لأنه لا تدخله النيابة وان كان على الدعاء عند زيارة قبره جاز لأن الدعاء مما تدخله النيابة ولا يضر الجهل بنفس الدعاء انتهى فكذلك تدخل النيابة في وظيفة قراءة القرآن والدعاء للواقف، السادس والثلاثون: ذهب السبكي إلى أنه يجوز أن يستأجر الشخص إنسانا للدعاء فيقول استأجرتك بكذا لتدعو لي بكذا فيذكر ما شاء من أمور الدنيا والآخرة. فهذه ستة وثلاثون فرعا كلها في العبادات، ومما جازت فيه الاستنابة من غير العبادات طرفا البيع بأنواعه والسلم والرهن والهبة والصلح والإبراء والحوالة والإقالة والضمان والكفالة والشركة والقراض والمساقاة والإجارة والجعالة والإيداع والإعارة والأخذ بالشفعة والوقف والوصية والنكاح والخلع والطلاق والرجعة والإعتاق والكتابة وقبض الديون واقباضها والأموال والجزية وتعيين المختارة للنكاح أو الطلاق وتملك المباحات كالأحياء والاصطياد والاحتطاب والاستقاء والدعوى والجواب واستيفاء الحدود وسواء في كل ذلك كان للموكل عذر أم لا وجوز بعضهم الاستنابة في الإقرار والالتقاط والظهار والتدبير. فهذه نحو مائة موضع أباح علماء المسلمين الاستنابة فيها من غير عذر وغالبها مما انعقد به الإجماع أفلا يصلح أن تلحق الوظائف التي مبناها على الإحسان والمسامحة بواحد منها. ومن ألطف الفروع التي تجوز فيها الاستنابة ما ذكره إمام الحرمين في الأساليب أنه يجوز أن يستأجر رجلا ليسرق له شيئا من أموال الكفار من غير قتال ويكون ملكا للمستأجر. ومن ألطفها أيضا ما في فتاوى ابن الصلاح أنه يجوز أن يستأجر رجلا ليقعد مكانه في الحبس فإذا كان هذا في الحبس المقصود منه الزجر والتعلق بإنسان معين ففي سد وظيفة أولى. (فصل) وأما القسم الثاني وهو ما يكون عند العذر ففيه فروع منها جواز الاستنابة في الحج للمغصوب وجواز الاستنابة في رمي الجمار لمن يحج بنفسه وحصل له عذر أيام الرمي وجواز الاستنابة في الصوم عن الميت على ما صححه النووي ووردت به الأحاديث الصحيحة وجواز الاستنابة في الاعتكاف عنه في قول حكاه البويطي عن الشافعي وجواز الاستنابة في الصلاة عنه في وجه حكاه. (فصل) ذكر الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه في ترجمة الشيخ محي الدين النووي أنه باشر تدريس الاقبالية نيابة عن ابن خلكان وكذلك الفلكية والركنية وهذا من النووي دليل على أنه تجوز الاستنابة لأنه أورع من أن يفعل ما لا يجوز. (فصل) ومن الدليل على جواز الاستنابة أن جماعة من الصحابة كانوا يفتون الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والإفتاء بالأصالة إنما هو منصب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المبعوث لتبليغ الناس وتعليمهم وإفتاء العلماء بعد وفاته إنما هو بطريق الخلافة والوراثة عنه فإفتاؤهم في حياته بإذنه استنابة منه لهم ليقوموا عنه بما هو منصب له على وجه النيابة، وقد عقد ابن سعد في الطبقات بابا في ذكر من كان يفتي بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرج فيه عن ابن عمر أنه سئل من كان يفتي الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالأبو بكر وعمر، وأخرج عن القاسم بن محمد قال كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج عن أبي عبد الله بن نيار الأسلمي قال كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج عن كعب بن مالك قال كان معاذ بن جبل يفتي الناس بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج عن سهل ابن أبي حثمة قال كان الذين يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين وثلاثة من الأنصار عمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت، وقد تحصل من هذه الآثار ثمانية كانوا يفتون والنبي صلى الله عليه وسلم حي وقد جمعتهم في بيتين فقلت: وقد كان في عصر النبي جماعة *** يقومون بالإفتاء قومة قانت فأربعة أهل الخلافة معهم *** معاذ أبي وابن عوف ابن ثابت (فصل) ومن الدليل على جواز الاستنابة ما أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد مسند أبيه عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت عشر آيات من براءة دعا النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي أدرك أبا بكر فحيث ما لقيته فخذ الكتاب منه فاقرأه على أهل مكة فلحقته فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر فقال يا رسول الله نزل في شيء قال ( لا ولكن جبريل جاءني فقال لي لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ) وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن أنس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال (لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي) فدعا عليا فأعطاه إياه. فهذه استنابة من النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أمر بتبليغه ثم لما أمر أن يستنيب رجلا من قبيلة مخصوصة رجع إليه فيستدل بفعله أو لا على جواز الاستنابة مطلقا إذا سكت الواقف عن شرط ويستدل بفعله ثانيا على أنه إذا خصص الواقف تخصيصا يتبع شرطه، وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه عليا فانطلقا فحجا فقام على أيام التشريق فنادى ذمة الله بريئة من كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فكان علي ينادي فإذا أعيا قام أبو بكر فنادى بها. فهذه نيابة من أبي بكر عن علي فانه قصد بالبعث علي، وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان - فهذه نيابة من أبي هريرة أيضا، والمقصود بالتبليغ في هذه القصة أن تكون من علي. (فصل) هذا كله في وقف سكت واقفه عن ذكر الاستنابة إباحة ومنعا وكان الواقف حرا مالكا لما وقفه أما وقف صرح واقفه بتجويز الاستنابة أو بمنعها فانه يتبع شرطه لا محالة، وأما وقف لم يملكه واقفه وذلك كالذي وقفه أمير المؤمنين أو السلطان من بيت المال فان ذلك حكمه حكم الأرصاد لا حكم الأوقاف التي ملكها واقفوها فلا يتقيد بما شرطه الواقف فيها لأنه مال بيت المال أرصد لمصالح المسلمين فإذا قرر فيه بعض من له استحقاق في بيت المال جاز له أن يأكل منه وان لم يقم بذلك الشرط ولو لم يكن بصفة الاستحقاق من بيت المال لم يجز له أن يأكل منه ولو باشر تلك الوظيفة، وبهذا صرح المتأخرون من أصحابنا فقال الزركشي في شرح المنهاج في باب الإجارة ظن بعضهم أن الجامكية عن الإمامة والطلب ونحوهما من باب الإجارة حتى لا يستحق شيئا إذا أخل ببعض الصلوات أو الأيام وليس كذلك بل هو من باب الأرصاد والأرزاق المبني على الإحسان والمسامحة بخلاف الإجارة فإنها من باب المعاوضة ولهذا يمتنع أخذ الأجرة على القضاء ويجوز أرزاقه من بيت المال بالإجماع انتهى. وقال الدميري في شرح المنهاج في باب الجعالة سألت شيخنا يعني الأسنوي مرتين عن غيبة الطالب عن الدرس هل يستحق المعلوم أو يعطى بقسط ما حضر فقال إن كان الطالب في حال انقطاعه يشتغل بالعلم استحق وإلا فلا ولو حضر ولم يكن بصدد الاشتغال لم يستحق لأن المقصود نفعه بالعلم لا مجرد حضوره وكان يذهب إلى أن ذلك من باب الأرصاد انتهى. ومن صور ذلك ما يشترى من أراضي بيت المال بالحيلة من غير بذل ثمن معتبر فحكمه حكم ما وقفه السلطان من أراضي بيت المال وقد أراد برقوق في سنة نيف وثمانين وسبعمائة إبطال جميع الأوقاف وردها إلى بيت المال بهذه الحجة وعقد لذلك مجلسا حضره علماء عصره فقال الشيخ سراج الدين البلقيني أما ما وقف على خديجة وعويشة فنعم وأما ما وقف على المدارس والعلماء وطلبة العلم فلا سبيل إليه لأن لهم في الخمس أكثر من ذلك وانما يأكلون من هذه الأوقاف بسبب استحقاقهم من بيت المال، ومن صور ذلك ما اشترى بعقد صحيح وبذل فيه الثمن المعتبر ولكن كان مشتريه من الأتراك الذين أصلهم عبيد بيت المال وأعتقهم السلطان مجانا فان عتقهم في هذه الصورة غير صحيح فكل ما في أيديهم ملك لبيت المال فتجري أوقافهم على هذا الحكم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فقد ورد على سؤال من بلاد دوركي صورته قال الواقف في كتاب وقفه وقف على أولاده الذكور وأولاد أولادهم الذكور دون الإناث فان لم يبق من أولاده الذكور أحد يكون وقفا على أولاده الإناث ما تقول السادة العلماء في معنى قوله فان لم يبق من أولاد الذكور يكون وقفا على أولاده الإناث وفي معنى الضميرين المجرورين فيه أنهما لماذا يرجعان وبماذا يصح معنى كتاب الوقف وما تقول فيمن قال بتحريم إناث الذكور وانتقال الوقف من نسل الواقف والخروج منهم بانقطاع الأولاد الصلبية بعد ما تصرفوا فيه بإذن الحاكمين الحنفي والشافعي مدة سبع وعشرين سنة زعما منه أن معنى كتاب الوقف هكذا المفهوم من العبارة الواقعة في كتاب الوقف وهي أي الطاحونة وقف على أولاده الذكور أي على أولاد الواقف الذكور لما أن الضمير في أولاده راجع إلى الواقف وعلى أولادهم الذكور الضمير راجع إلى أولاد الذكور دون الإناث نفي عن إناث الذكور فان لم يبق من أولاده الذكور يكون وقفا على أولاده الإناث فما بعد يكون وقفا على المسجد الجامع المعمور بدوركي فعلم من ذلك أن الواقف اختص أولا إلى ذكور الواقف وخرج من البين إناث الذكور خائبات بحكم عبارة دون الإناث ولم يستحق الوقف إلا من هو من الإناث الصلبية للواقف ولو بقي أحد من تلك الإناث الصلبية يستحق إلى حين الانقراض وإلا لا يستحق له أحد غيرها فمن عانده يأتي بحجة شرعية لا بحجة عقلية - هذه صورة السؤال. فكتبت عليه ما نصه : قول الواقف على أولاده الذكور وأولاد أولادهم الذكور دون الإناث ينفي أولاد بنات الذكور لا بنات الذكور، والحاصل أن الواقف قصر الوقف على من ينسب إليه فأولاد بنيه يعطون ذكورا كانوا أو إناثا إذا وجد شرط الإناث وهو فقد الذكور وأولاد بنات بنيه لا يعطون البتة لأنهم لا ينسبون إليه فبنت الابن تنسب إلى جدها كابن الابن وبنت البنت أو ابن البنت إنما ينسبان إلى أبيهما لا إلى جدهما أبي أمهما فضمير أولادهم للأولاد والذكور صفة لأولاد المضاف إلى الضمير لا لأولاد الأول المضاف إلى أولادهم إذ لو كان صفة له لزم محذور أشد وهو الصرف إلى الأولاد الذكور من نسل جميع أولاد الأولاد الشامل للذكور والإناث فيلزم الصرف إلى ابن بنت الابن وهو خلاف المراد المفهوم من سياق غرض الواقف حيث منع بنات نفسه مع وجود الذكور فلا يمكن إعطاء من أدلى ببنت ابن مع وجودهم ووجود بنات نفسه فعلم أن مقصوده إعطاء من ينسب إليه من بنيه وبناته وأولاد بنيه ذكورا وإناثا وأولاد بني بنيه دون أولاد بنات بنيه وعلم شرط فقد الذكور في إعطاء الإناث من صلبه بالنص منه ومن بنات أولاده إما بالقياس عليهن وأما بعموم نصه فان قوله أولاده في الموضعين وهما فان لم يبق من أولاده الذكور يكون وقفا على أولاده الإناث قد يقال لشموله لهم لفظا لكون الجملة جاءت عقب النوعين وان كان الراجح عندنا أن أولاد الأولاد لا يدخلون في الوقف على الأولاد فهذا مدرك خاص بهذه الواقعة - هذه صورة الجواب، وقد أورد عليه أنه على هذا التقرير يلزم خلو نص الواقف عن استحقاق أولاد أولاده فانه لم يذكر أولا أولاده و أولاد أولادهم ولم يذكر أولادهم، وأقول هذا الأمر مما زادنا يقينا فيما أفتينا به من استحقاق بنات أولاده بشرط فقد الذكور ومن أن الذكور صفة لأولادهم لا لأولاد المضاف هو إليه ومن أن قوله أولاده في الموضعين شامل بعموم لفظه للحقيقة والمجاز أعني أولاد صلبه وأولاد أولاده فان قلت بين لي ذلك حتى أفهمه قلت الذي يحمل عليه عبارة الواقف أن قوله وقف على أولاده الذكور ليس قاصرا على أولاد صلبه بل عاما في جميع نسله الذكور الطبقة الأولى والثانية والثالثة وهكذا إلى آخر نسله فان قلت كيف تقول ذلك وكيف يسوغ لك هذا الحمل وهذا عندك في المنهاج ولا يدخل أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد في الأصح فهذا إفتاء بالقول المرجوح قلت كلا غير أنك قاصر عن إدراك المدارك، والمدرك في هذا الحمل أمور الأول أن شراح المنهاج قالوا أن محل الخلاف فيما إذا لم يرد الواقف جميعهم فان أراد ذلك دخل أولاد الأولاد قطعا - ذكره ابن خيران في اللطيف، وإرادة الواقف تعرف بالقرائن وقد قامت هنا وهي ما يذكر بعد هذا، الأمر الثاني أن قوله وأولاد أولادهم الذكور قرينة ظاهرة في أنه أراد بالأولاد جميع نسله لا أولاد صلبه فقط ونص على هذا الفرع بخصوصه وهو الطبقة الثالثة ليبين شرطها الخاص بها وهو أن يكون ممن ينسب إلى الواقف بأن يكون من ذرية أولاد أولاده الذكور لا من ذرية أولادهم الإناث ولو كان المراد بالأولاد الصلبية فقط لزم أن يعطى الأولاد وأولاد أولادهم دون أولادهم وهو خلاف الظاهر، الثالث أنه ليس المراد أيضا بأولاد أولادهم طبقة مخصوصة بل هو عام في كل طبقة من النسل وان بعدت لا يعطى من طبقات النسل إلا من يدلي إلى الواقف بمحض الذكور ولا يعطى من أدلى بإناث فكما أن هذا عام في أولاد أولادهم لصلبهم ومن سفل فكذلك قوله على أولاده عام فيمن 0هم لصلبه ومن سفل، الرابع لو أخذنا بالخصوص وقلنا الأولاد خاص بالصلبية دون أولاد الأولاد لكان الثاني أيضا كذلك وهو قوله وأولاد أولادهم فلم يكن يعطي من أولاد أولادهم إلا طبقة واحدة وهم أولادهم لصلبهم وكان يحرم جميع الطبقات بعدهم وينقرض أهل الوقف بانقراض الطبقة الثالثة ولا سبيل إلى ذلك، الخامس أن الألفاظ يراعى فيها عرف أربابها والواقف لهذا الوقف والحاكم به والموثق كلهم حنفية ومذهب الحنفية أن الوقف على الأولاد يدخل فيه أولاد البنين قال في المحيط لو وقف على ولده يدخل فيه أولاده لصلبه وأولاد أبنائه وفي أولاد البنات روايتان عن محمد انهم يدخلون فيه لأن اسم الولد يتناولهم لأن الولد اسم المتولد متفرع من الأصل وأولاد البنات متفرعة متولدة من الأم وأمهم متولدة من الجد فكانت بواسطة الأم مضافة إلى الجدة وقال في موضع آخر لو قال أرضى هذه صدقة موقوفة على أولادي دخل فيه البطون كلها لعموم اسم الأولاد وقال في موضع آخر لو قال هذه صدقة على ولدي وولد ولدي وأولادهم دخل فيه البطون كلها وان كثروا الأقرب والأبعد فيه سواء لأنه لما قال أولادهم فقد ذكرهم مضافا إلى أولاده لا إلى نفس الواقف فقد ذكر أولادهم على العموم فيقع ذلك على البطون كلها انتهى. فعلم أن الواقف ومن وثق عنه اقتصر على لفظ الأولاد في الوقف لاعتقاده أنه شامل لجميع نسله بناء على مذهبه وزاد هذا المراد إيضاحا تنصيصه على شرط يختص ببعض الفروع النازلة فعلم أن مراده بقوله على أولاده الذكور جميع نسله من صلبه ومن سفل فكذلك قوله يكون وقفا على أولاده الإناث يكون مرادا به جميع الإناث من نسله من كانت لصلبه وبنات بنيه وخرج ببنات بناته وبنات بنات بنيه بالشرط الذي شرطه، ويرشح أن الواقف والموثق مشيا في لفظ أولاده على الشمول بناء على مذهبهما أن عبارة الواقف وجيزة جدا ليس فيها إلا هذا القدر المذكور في السؤال من غير بسط ولا إطناب كما يفعله موثقو بلادنا، الأمر السادس أن الذي زعم إخراج بنات البنين من البنين متمسكا بما تمسك به أخطأ خطأ ثانيا بعد خطأه أولا حيث رام إخراجهم من لفظ الأولاد مع دخولهم فيه في مذهبه وذلك أنه إذا نظر إلى قول الواقف فان لم يبق من أولاده الذكور يكون وقفا على أولاده الإناث فان أخذ لفظ أولاده في الشقين على العموم في أولاد الصلب وأولاد البنين فهو المدعي ويلزمه أن يعطي بنات البنين وان أخذه على الخصوص فيهما بأولاد الصلب قلنا له يا غافل يلزمك أن لا تعطي من أولاد الأولاد أحدا فانه رتب على فقد أولاده الذكور إعطاء أولاده الإناث وقد جعلت الأولاد فيهما خاصا بالصلبية فلزم أن تعطي بنات الصلب عند فقد ذكور الصلب وتصرفه إلى الجامع عند فقد إناث الصلب ويذهب أولاد الأولاد الذكور خائبين فيبقى قول الواقف وأولاد أولادهم الذكور لاغيا لا يعمل به وهو باطل وان أخذه على العموم في الشق الأول دون الثاني فهو تحكم بحت فتعين أن يكون معنى قوله فان لم يبق من أولاده الذكور أي من فروعه صلبية ومن سفل يكون وقفا على أولاده الإناث أي فروعه صلبية ومن سفل. هذا ما سنح في هذه المسألة والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وقع السؤال عن وقف الملك المؤيد شيخ وذلك أنه وقف وقفا وقال فيه مهما فضل بعد المصارف يصرف لأولاده لصلبه ثم لأولادهم ثم لذريتهم ونسلهم وعقبهم طبقة بعد طبقة تحجب الطبقة العليا منهم أبدا الطبقة السفلى على أن من مات منهم عن ولد أو ولد ولد وان سفل انتقل نصيبه إليه فان لم يكن له ولد ولا نسل ولا عقب انتقل نصيبه إلى من هو في درجته يقدم الأقرب إلى المتوفى منهم فالأقرب ويقدم في الاستحقاق من أهل الدرجة الاخوة على غيرهم ويقدم الأخ الشقيق على الأخ للأب وابن العم الشقيق على ابن العم للأب وعلى أنه من توفى منهم ومن أولادهم ومن أولاد أولادهم ومن أنسالهم وأعقابهم وأن سفل قبل استحقاقه لشيء من منافع هذا الوقف وترك ولدا أو ولد ولد أو نسلا أو عقبا أو أسفل من ذلك استحق ولده والأسفل منه ما كان يستحقه المتوفي لو بقي حيا حتى يصير إليه شيء من منافع هذا الوقف وقام في الاستحقاق مقام المتوفى أبا كان أو أما أو جدا أو جدة ومن يجري مجراهم ومات الواقف وخلف أولادا ذكورا وإناثا ثم ماتوا ولم يبق للواقف إلا ابنة واحدة فماتت وخلفت ابنة وابنة ابن فهل تقدم الابنة عملا بقول الواقف يقدم الأقرب إلى المتوفى منهم فالأقرب أو يشاركها ابن الابن فأفتيت بما نصه: تختص البنت بنصيب أمها ولا يشاركها ابن الابن وذلك لأمرين أحدهما قوله أن من مات عن نصيب وله ولد واسفل منه ينتقل نصيبه لولده ويقدم الأقرب إلى المتوفى منهم فالأقرب وهذه صورة هذه الواقعة فإن بنت الواقف ماتت عن نصيب ولها ولد واسفل منه فينتقل نصيبها لولدها ويقدم الأقرب وهي البنت على الأبعد وهو ابن الابن عملا بتنصيص الواقف في هذه الصورة بخصوصها، والثاني قوله تحجب العليا الطبقة السفلى فقد أفتى السبكي في هذه الصورة بعينها بأن العمة تختص ولا يشاركها أولاد إخوتها هكذا أجاب به في ثلاثة مواضع من فتاويه وقال عملا بقوله تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى وقال إن العمل بهذه الجملة الأول من العمل بجملة ومن مات قبل الاستحقاق إلى آخره لأن العمل بالجملة الأولى لا يؤدي إلى إلغاء الجملة الثانية بالكلية لأنها يعمل بها في بعض الصور وهو ما إذا فقد من هو أقرب بخلاف العمل بالجملة الثانية فإنه يؤدي إلى إلغاء الجملة الأولى بالكلية فإن حملها على حجب كل أصل لفرعه فقط غير مفيد لعدم الحاجة إليه إذ لم يدخل ولد الولد في لفظ الوقف مع وجود الولد حتى يحتاج إلى الاحتراز عنه واكثر ما يقال إنه تأكيد والتأسيس أولى من التأكيد - وهذا كلام السبكي في أحد المواضع، وقال في موضع آخر إن بعض الحنابلة خالفه وأفتى بالمشاركة وحمل حجب الطبقة العليا السفلى على حجب كل أصل لفرعه لا على الترتيب بين الطبقتين قال وهذا ضعيف وخلاف الظاهر، وأطال السبكي الكلام في تقرير ذلك في موضعين آخرين بما لا يحتمل المحل بسطه ووافقه الشيخ ولي الدين العراقي فأفتى في صورة نظير هذه بالاختصاص أيضا وعدم المشاركة تقديما لأقرب الطبقتين ثم قال وبلغني عن بعض الشافعية والمالكية والحنابلة انهم أفتوا بالمشاركة عملا بقول الواقف ومن مات قبل الاستحقاق إلى آخره قال وهذا عندي ضعيف لأنا لا نخص عموم حجب الطبقة العليا السفلى بهذا المفهوم المستنبط من عبارة الواقف وإنما نخصه بأحد المخصصات المعروفة ولم يوجد ذلك إلا فيما إذا مات عن نصيب وله ولد فإنه ينتقل نصيبه إليه - هذا كلام الشيخ ولي الدين، وأعلم أن السبكي إنما اعتمد في جوابه على جملة تحجب العليا السفلى فقط لأنه لم يكن في لفظ سؤاله غيره ونحن اعتمدنا في جوابنا عليه، وعلى أمر ثان هو أقوى منه وهو تنصيص الواقف على تقديم الأقرب إلى المتوفى عند ذكر من مات عن نصيب وله ولد أو أسفل منه وبيان كون هذا أقوى أن المقرر في علم الأصول أن الألفاظ ثلاثة نص وظاهر ومحتمل فالنص ما لا يحتمل إلا معنى واحدا والظاهر ما احتمل معنيين أحدهما أظهر من الآخر والمحتمل ما احتمل معنيين على السواء من غير رجحان ومرتبتها في القوة على هذا الترتيب وأنه عند التعارض يقدم النص على الظاهر والظاهر على المحتمل وقد اجتمعت الألفاظ الثلاثة في هذا الوقف فالنص قوله فيمن مات عن نصيب وله ولد أو أسفل منه أنه يقدم الأقرب إلى المتوفى فإن هذا لا يحتمل إلا معنى واحد لو الظاهر قوله تحجب الطبقة العليا السفلى فإن هذا يحتمل معنيين أحدهما أن يراد حجب كل أعلى لكل أسفل، والثاني أن يراد حجب كل أصل لفرعه فقط والحمل على المعنى الأول أظهر لما ذكره السبكي من أن الثاني لا فائدة له إلا التأكيد والتأسيس أرجح من التأكيد وقد توافق في هذا الوقف النص والظاهر معا من غير تعارض والمحتمل قوله ومن مات قبل الاستحقاق إلى آخره فإنه يحتمل أن يراد استحق مطلقا مع من هو في درجته ومع من هو أعلى منه ويحتمل أن يراد استحق مع فقد من هو أعلى منه فقط والمعنيان من حيث اللفظ على السواء فقدم النص والظاهر معا لقوتهما وأخر هذا المحتمل ليعمل به في صورة لم يعارضاه فيها وهو ما إذا قصد من هو أعلى منه وأقرب ولما لم يكن في سؤال السبكي لفظ هو نص وكان فيه لفظ ظاهر وهو تحجب الطبقة العليا السفلى ولفظ محتمل وهو قوله ومن مات قبل الاستحقاق إلى آخره وقد تعارضا رجح العمل بالظاهر على المحتمل جريا على القاعدة، وما وقع لبعض الأئمة من الإفتاء فيها بالمشاركة فذاك لكون لفظ السؤال فيها مخالفا للفظ هذا السؤال والأجوبة في الأوقاف تختلف باختلاف الألفاظ فإن مبناها على مقتضيات الألفاظ فمتى اختلف بتغيير أو زيادة أو نقص اختلف الجواب بحسبه والله أعلم. تقرير آخر يوضح ما تقدم: قول الواقف (على أن من مات منهم عن ولد وإن سفل انتقل نصيبه إليه فإن لم يكن له ولد ولا نسل انتقل نصيبه إلى من هو في درجته يقدم الأقرب إلى المتوفى منهم فالأقرب ويقدم في الاستحقاق من أهل الدرجة الأخوة على غيرهم) اشتمل على أمرين أحدهما أن نصيب من مات ينتقل إلى شعب الولد به الثاني أنه فقد شعب الولد به ينتقل إلى نوع من في الدرجة فقوله يقدم الأقرب إلى المتوفى منهم فالأقرب راجع إلى شعب الولد به وقوله ويقدم في الاستحقاق من أهل الدرجة الأخوة على غيرهم راجع إلى نوع أهل الدرجة ولو كان قوله يقدم الأقرب خاصا بأهل الدرجة وليس راجعا إلى شعب الأولاد لم يقل في الجملة المعطوفة عليه ويقدم في الاستحقاق من أهل الدرجة بل كانت العبارة يقدم الأقرب فالأقرب وتقدم الأخوة على غيرهم فلما خص هذه الجملة بأهل الدرجة عرف أن الجملة التي قبلها أما أعم من ذلك وإما خاصة بشعب الأولاد فكما أنه إذا اجتمع في الدرجة أخوة وغيرهم وكان في غير الأخوة من مات أبوه قبل الاستحقاق وكان حيا لاستحق لم يعطى شيئا مع الأخوة عملا بتنصيص الواقف على تقديم الأخوة من أهل الدرجة على غيرهم فكذلك إن كان مع الأولاد أولاد أولاد مات آباؤهم قبل الاستحقاق ولو كانوا أحياء لاستحقوا لا يعطون مع الأولاد شيئا عملا بتنصيص الواقف في هذا النوع على تقديم الأقرب إلى المتوفى منهم فالأقرب ولنسق عبارة السبكي في المواضع المذكورة لتستفاد: الموضع الأول: سئل السبكي عن امرأة وقفت على ذكور وإناث بالسوية فإن توفى واحد منهم عن ولد وإن سفل انتقل نصيبه إليه فإن لم يخلف ولدا فلاخوته الأشقاء ثم لغير الأشقاء ثم إلى من بقي من أهل طبقته ثم لأقرب الطبقات إلى الطبقة التي هو فيها على أن من توفى منهم قبل استحقاقه شيئا من منافعه عن ولد وإن سفل ثم عادت شرائط الوقف إلى حال لو كان المتوفى فيها حيا لاستحق أقيم أقرب الطبقات إليه من ولده مقامه وعاد له ما كان يعود لمتوفاه لو كان حيا تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى فتوفيت امرأة من أهل الوقف تدعى فاطمة وتركت بنت عمها ست اليمن وأولاد ثلاث أخوات لست اليمن ماتت الأخوات قبل وفاة فاطمة قبل انتهاء الوقف إليهن وبقي أولادهن فهل ينتقل نصيب فاطمة لست اليمن وحدها أو يشاركها فيه أولاد أخواتها فأجاب الشيخ تقي الدين السبكي ينتقل نصيب فاطمة لست اليمن عملا بقوله تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى قال وقد تعارضا في هذا الوقف عمومان أحدهما هذا فإنه أعم من حجب كل شخص ولده خاصة ومن حجبه الطبقة السفلى بكمالها من ولده وولد غيره، والثاني قوله أن من توفي قبل استحقاقه يقام أقرب الطبقات إليه من ولده مقامه وهذا أعم من أن يكون بقي من طبقة المتوفى أحد أولا فحجب كل شخص لولده لا إشكال فيه ومحل التعارض في إقامة ولد المتوفى مقامه عند وجود أقرب منه وفي مثل هذا التعارض يحتاج إلى الترجيح، ووجه الترجيح أن العمل هنا بعموم قوله تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى، لا يوجب إلغاء قوله أن من توفى قبل استحقاقه يقام ولده مقامه لأنا نعمل به عند عدم من هو أقرب منه بخلاف العكس وهو أن يجعل هذا على عمومه ونقيم الولد مقام والده مطلقا فإن فيه إلغاء قوله تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى، وبيانه أن حجب الشخص غير ولده خارج منه على هذا التقدير وحجبه ولده إنما يحتاج إليه لو كان في اللفظ الأول ما يدخله وليس كذلك لأنه إنما وقف على الأقرب فلا يدخل ولد الولد مع وجود الولد فيه حتى يحترز منه غاية ما في الباب أن يقال هو تأكيد والتأسيس أولى من التأكيد -هذا جواب السبكي بحروفه، ولو لم يكن في فتاويه إلا هذا الموضع لكان فيه كفاية لكن ذكره في مواضع أخر نسوقها: الموضع الثاني: سئل السبكي عن رجل وقف على المجبر ثم على أولاده أحمد وعائشة وفاطمة وزينب ثم على أولادهم وإن سفلوا ومن مات وله ولد وإن سفل كان نصيبه له وإن مات أحد ليس له نصيب وله أولاد وإن سفلوا وآل الأمر إليهم استحقوا تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى وتوفي المجبر ثم توفيت بنته زينب ثم ولده أحمد وترك أولادا أبا بكر وعليا وعبد المحسن وشامية وتوفيت فاطمة بنت المجبر وتركت بنتها ملوك وشرف ورزقت عائشة أولادا محمدا ونفيسة ودنيا ثم رزقت دنيا المذكورة في حياة أمها محمدا وعيسى وآسن ومريم ثم رزقت مريم محمدا ثم ماتت مريم المذكورة في حياة جدتها عائشة ثم ماتت عائشة عن محمد ونفيسة ودنيا وأولادها محمد وعيسى وآسن وعن محمد بن مريم المتوفاة في حياتها فهل لمحمد بن مريم هذا شيء بحكم تنزيله منزلة أمه فأجاب السبكي الظاهر أنه لا يستحق لقوله تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى فهو محجوب بأخواله فإنه إنما يستحق من أمه أو جدته لا جائز أن يستحق من أمه لأنها حين ماتت كانت محجوبة بأمها قطعا فليس لها شيء ينتقل لابنها فلم يبق إلا استحقاقه من جدته على أن نصيبها ينتقل لأولادها وأولاد أولادها لكنه قال تحجب الطبقة العليا السفلى وإطلاق ذلك يقتضي العموم ويحتمل أن يراد بحجب كل أصل فرعه، ثم قال واعلم أن هذه المسألة قد تكررت وأنا أستشكلها جدا وأقدم فيها وأوخر وهي في غاية الإشكال ينبغي النظر فيها أكثر من هذا وأن لا يستعجل فيها بالجواب، والصيغ التي ترد في الأوقاف مختلفة فمنها أن يقول تحجب الطبقة العليا السفلى ثم يقول من مات انتقل نصيبه فهنا يظهر أنه إذا مات واحد وله ابن وابن ابن يقدم الابن على ابن الابن عملا بقوله تحجب العليا السفلى فإنه عام إلا فيمن كان له نصيب ومات فينتقل نصيبه لولده بمقتضى اللفظ الثاني على سبيل التخصيص ويبقى العموم فيما عداه وهذا أولى من حمل تحجب العليا السفلى على حجب الأصل لفرعه فقط لأنه يمكن تخصيصه ولأن قوله نصيبه حقيقته أن يكون له نصيب يتناوله وحمله على الاستحقاق الذي يصل إليه بعد ذلك مجاز لا دليل عليه وغاية ما في الباب أنه قد يموت قبل الاستحقاق وذلك لا يضر فإنه في كل الأحوال قد يحصل ذلك وحينئذ يحتمل أن يقال أنه دخل في الوقف موقوفا على شرط وخرج منه بموته ولا يمتنع أن يقال أنه بموته تبين أنه لم يدخل أصلا وكلا الاحتمالين سائغ لا مانع منه، ومنها الصيغة المذكورة ولكن بموت هذا الابن بعد ويترك ابنا فهو مساو لابن عمه في الطبقة فهل يأخذ ابن عمه ما كان لأبيه لو كان حيا لأن المانع له حجب عمه له وقد زال ولا يأخذ لأنه إنما يأخذ من أبيه وأبوه لا حق له، هذا محل احتمال والأقرب أنه إن كان لفظ آخر عام يمكن إخراجه منه استحق وإلا فلا، مثال الأول قوله وقفت على أولادي وأولاد أولادي بالواو لا بثم ويذكر الصيغتين بعد ذلك فهنا أقول أنه يستحق بعد وفاة عمه ما كان أبوه يستحقه لو كان حيا ويختص ابن عمه الآن من نصيب أبيه بما كان له حين كان أبوه حيا وإن كان هذا يخالف ظاهر قوله من مات انتقل نصيبه إلى ولده لأنه ليس مخالفة هذا أبعد من مخالفة عموم قوله ثم على أولاد أولاده فيعمل في العام المتقدم إلا فيما خص به قطعا بقوله تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى، وأيضا به حجب العم لابن أخيه ويبقى فيما عداه على الأصل ويكون قوله انتقل نصيبه لولده معناه في هذه الحالة نصيبه الأصلي، ومنها أن يقول وقفته على أولادي ثم أولاد أولادي من مات منهم انتقل نصيبه لولده تحجب الطبقة العليا السفلى فهنا حجب ابن المتوفي لابن أخيه صريح أصرح من الأول بعد حكم من مات. الموضع الثالث: سئل السبكي عن رجل عليه وقف فإذا توفى عاد وقفا على ولديه أحمد وعبد القادر بينهما بالسوية نصفين يجري نصيب كل منهما عليه ثم على أولاده واحدا أو أكثر ذكرا أو أنثى أو ذكورا وإناثا للذكر مثل حظ الأنثيين ثم على أولاد أولاده كذلك ثم على أولاد أولاد أولاده مثل ذلك ثم على نسله وعقبه بطنا بعد بطن على أنه من توفى من الأخوين المذكورين ومن أولادهما وأنسالهما عن ولد أو ولد ولد أو نسل عاد ما كان جاريا عليه من ذلك على ولده ثم على ولد ولده ثم على نسله على الفريضة وعلى أنه من توفى منهما أو من أولادهما وأنسالهما عن غير نسل عاد ما كان جاريا عليه من ذلك على من في درجته من أهل الوقف المذكور يقدم الأقرب إليه منهم فالأقرب ويستوي الأخ الشقيق والأخ من الأب ومن مات من أهل الوقف المذكور قبل استحقاقه لشيء من منافع الوقف وترك ولدا أو ولد ولد أو أسفل من ذلك استحق ولده أو ولد ولده أو الأسفل ما كان يستحقه المتوفى لو بقي حيا إلى أن يصير إليه شيء من منافع الوقف المذكور وقام في الاستحقاق مقام المتوفى فإذا انقرضوا فعلى الفقراء والمساكين وتوفي الموقوف عليه وانتقل الوقف إلى ولديه أحمد وعبد القادر ثم توفي عبد القادر وترك أولاده الثلاثة وهم عمر وعلي ولطيفة وولدي ابنه محمد المتوفى في حياة والده وهما عبد الرحمن وملكة ثم توفي عمر عن غير نسل ثم توفيت لطيفة عن بنت تسمى فاطمة ثم توفى علي وترك بنتاَ تسمى زينب ثم توفيت فاطمة بنت لطيفة عن غير نسل فإلى من ينتقل نصيب فاطمة المذكورة؟ فأجاب السبكي بما نصه: الحمد لله الذي ظهر الآن أن نصيب عبد القادر جميعه يقسم هذا الوقف على ستين جزءا لعبد الرحمن منه اثنان وعشرون جزءا ولملكة أحد عشر ولزينب سبعة وعشرون ولا يستمر هذا الحكم في أعقابهم بل في كل وقت بحسبه ولا اشتهى أحدا من الفقهاء يقلدني في ذلك بل ينظر لنفسه والله أعلم. كتبه على السبكي الشافعي في ليلة الثلاثاء رابع ذي القعدة سنة إحدى وسبعمائة. قال السبكي فذكر السائل أنه لم يتبين له هذا الجواب بعد أن أقام ينظر فيه أياما فكتبت بيان ذلك وبالله التوفيق: إنه لما توفى عبد القادر انتقل نصيبه إلى أولاده الثلاثة وهم عمر وعلي ولطيفة بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين لعلي خمساه ولعمر خمسه وللطيفة خمسه هذا هو الظاهر عندنا ويحتمل أن يقال يشاركهم عبد الرحمن وملكة ولدا محمد المتوفى في حياة أبيه ونزلا منزلة أبيهما فيكون لهما السبعان ولعلي السبعان ولعمر السبعان وللطيفة السبع وهذا وإن كان محتملا فهو مرجوح عندنا لأن الممكن في مأخذه ثلاثة أمور أحدها يزعمه بعض الحنابلة أن مقصود الواقف أن لا يحرم أحدا من ذريته وهذا ضعيف لأن المقاصد إذا لم يدل عليها اللفظ لا تعتبر، الثاني إدخالهم في الحكم وجعل الترتيب بين كل أصل وفرعه لا بين الطبقتين جميعا وهذا محتمل لكنه خلاف الظاهر وقد كنت مرة ملت إليه في وقف الطنبا للفظ اقتضاه فيه لست أعمه في كل ترتيب، الثالث الاستناد إلى قول الواقف أن قول الواقف أن من مات من أهل الوقف قبل استحقاقه لشيء قام ولده مقامه، وهذا الاستناد لا يتم، وقد تعرض السبكي لهذا السؤال الأخير في شرح المنهاج وقال بعد أن ساق صورة السؤال لما توفى عبد القادر انتقل نصيبه إلى أولاده عمر وعلي ولطيفة لعلي خمساه ولعمر خمساه وللطيفة خمسه ولا يشاركهم عبد الرحمن وملكة ولدا محمد على الرأي الأرجح ويحتمل أن يقال بمشاركتهما لهم أما لما يزعمه بعض الحنابلة أن مقصود الواقف أن ذريته لا تحرم جعل الترتيب بين كل أصل وفرعه لا بين الطبقتين وأما لأن والدهما من أهل الوقف في حياة والده والكل ضعيف- هذا لفظه في شرح المنهاج. وسئل الشيخ ولي الدين العراقي عمن وقف وقفا على أولاده على أن من توفى من ذكورهم انتقل نصيبه إلى أولاده ثم إلى أولاد أولاده ثم إلى نسله وعقبه الذكور والإناث من ولد الظهر خاصة دون ولد البطن تحجب الطبقة العليا منهم أبدا الطبقة السفلى على أن من توفي من أولاد الظهر المذكورين وترك ولدا أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه إلى ولده ثم إلى ولد ولده ثم إلى نسله وعقبه من ولد الظهر خاصة فإن لم يترك ولدا ولا نسلا ولا عقبا انتقل نصيبه إلى اخوته وأخواته وكان من توفيت من الإناث من أولاد الواقف ومن بقية أولاد الظهر من نسله انتقل نصيبها إلى اخوتها وأخواتها فإن لم يترك ولدا غيرهن من ولد الظهر ولا أخا ولا أختا أو لم تترك المتوفاة من الإناث منهم أخا ولا أختا من أولاد الظهر المذكورين المشاركين له في الاستحقاق 0وكل من مات من أولاد الظهر المذكورين قبل دخوله في هذا الوقف واستحقاقه لشيء من منافعه وخلف ولدا أو أسفل منه من ولد الظهر وآل الوقف إلى حال لو كان المتوفى حيا لاستحق ذلك أو شيئا منه قام ولده ثم ولد ولده وإن سفل من ولد الظهر مقامه واستحق ما كان أصله يستحقه لو كان حيا فإذا انقرض أولاد الظهر صرف ما عين لهم إلى أولاد البطن على الوجوه المشروحة في أولاد الظهر فآل استحقاق الوقف إلى بنت ابن ابن الواقف وهي آخر أولاد الظهر فلما ماتت تركت ابنا وللواقف بنت بنت وابن بنت بنت فهؤلاء الثلاث من أولاد البطون فمن المستحق منهم؟ فأجاب الشيخ ولي الدين بما نصه: المستحق لذلك بنت بنت الواقف دون ابن بنت بنته ودون ابن بنت ابن ابنه عملا بقول الواقف أن الطبقة العليا تحجب السفلى إلا فيما استثناه من أن يموت إنسان ويخلف ولدا فيستحق ما كان أصله يستحقه وليس هذا من المستثنى قال ثم بلغني أن بعض المالكية والشافعية والحنابلة أفتوا بأن المستحق لذلك ابن بنت ابن ابنه فإن أمه هي التي آل إليها الاستحقاق فينتقل له ما كان لأمه عملا بشرط الواقف إن من مات وله ولد انتقل نصيبه إليه قال وهذا غلط وغفلة فإنه قيد ذلك فيما إذا كان المتوفى من أولاد الظهر وأن يكون ولد أيضا من أولاد الظهر وقال حين مصير الوقف لأولاد البطن إنهم يستحقونه على الوجوه المشروحة في أولاد الظهر وهذا الولد خارج عن الصورتين فإن أمه آخر أولاد الظهر فلما لم يبق أحد من أولاد الظهر انتقل لأولاد البطن ورجحنا أقربهم طبقة كما تقدم، قال ثم بلغني أن بعض الحنابلة والشافعية أفتى باشتراك الثلاثة المذكورين في استحقاق الوقف لأن كلا منهم قد كان له أصل مستحق وقد فهم من كلام الواقف أن حجب الطبقة العليا للسفلى إنما هو فيما إذا كانت العليا أصل السفلى لأن من مات وله ولد استحق ولده نصيب والده فإن كان والده قد مات قبل إيالة الاستحقاق إليه استحق ولده ما كان يستحقه لو كان حيا فعلم أن الواحد لا يحجبه عمه ولا خاله وإنما يحجبه اصله وهؤلاء الثلاثة أصولهم مختلفة فاستحقوا كلهم، قال: وهذا عندي ضعيف فإنا لا نخص عموم حجب الطبقة العليا للسفلى بهذا الأمر المستنبط المفهوم من عبارة الواقف وإنما نخصه بأحد المخصصات المعروفة ولم يوجد ذلك إلا فيمن يموت عن ولد مرافق له انتهى. (فصل) قال السبكي رحمه الله قول الوراقين في كتب الأوقاف من مات قبل استحقاقه لشيء من منافع الوقف وخلف ولدا استحق ولده ما كان يستحقه المتوفى لو بقي حيا حتى يصير إليه شيء من منافع الوقف وقام في الاستحقاق مقامه عبارة جرت على ألسنتهم وكتابتهم وهي تقتضي أن الولد إنما يستحق ما كان أبوه يستحقه لو بقي حيا إلى أن يصل إليه شيء من منافع الوقف فكيف يجعل الوصول شرطا أو بعض شرط وضرورة العبارة المذكورة جعله بعض شرط لأنه جعل وصفا للبقاء المقدر بعد لو غاية فهو جزء من الشرط وكان ينبغي أن لا يستحق بمقتضى العبارة المذكورة إلا شيئا ثانيا صيرورته مستحقا وهذا ليس بمراد وكأنهم أرادوا بالمصير إليه انتهاء الوقف إلى حالة لو بقي حيا فيها لاستحق فجعلوا ذلك مصيرا إليه وهو صفة للوقف وحال من أحوالها ولا يبعد أن يجعل علة وسببا وشرطا في استحقاقه الذي هو صفة له ويجعل هذا الاستحقاق معلولا عن الصفة واستعمال لفظة تصير في ذلك الظاهر أنها مجاز لأن حقيقة صيرورة شيء من المنافع إليه إنما هو باستحقاقه إياه فإذا فرضنا وفاة شخص آخر بعد ذلك لو كان هذا الذي استحق باقيا لاستحق نصيبه وحكمنا باستحقاق هذا الولد استحقاق ما لو كان والده حيا الآن لاستحقه كان استعمال لفظة يصير في حقه على سبيل الحقيقة لأنه صار إليه قبل ذلك شيء لكنا قد استعملناه في المعنى الأول مجازا فاستعماله في الثاني مع الأول جمع بين الحقيقة والمجاز وهو مرجوح بالنسبة إلى المجاز المنفرد واستعماله في الثاني وحده وهو الحقيقة وإطراح المجاز بالكلية يلزم عدم أخذه نصيب والده ولا قائل به ولا شك أنه ليس بمراد فيترجح الاقتصار على استعمال المجاز المنفرد ولا يستحق من الميت الثاني شيئا إلا بدليل منفصل والموجب للنظر في هذه المسألة وقف على شخص ثم أولاده ثم أولادهم وشرط أن من مات من بناته انتقل نصيبها للباقين من أخواتها ومن مات قبل استحقاقه لشيء من منافع الوقف وله ولد استحق ولده ما كان يستحقه المتوفى لو كان حيا حتى يصير إليه من منافع الوقف وقام في الاستحقاق مقامه فمات الموقوف عليه وخلف ولدين وولد ولد مات أبوه في حياة والده فأخذ الولدان نصيبهما وهما ابن وبنت وأخذ ولد الولد النصيب الذي لو كان والده حيا لأخذه ثم ماتت البنت فهل يختص أخوها الباقي بنصيبها أو يشاركه فيه ابن أخيه تعارض اللفظان المذكوران ونظرنا فيه النظر المذكور ويرجحه أن التنصيص على الأخوة وعلى الباقين منهم كالخاص وقوله ومن مات قبل الاستحقاق كالعام فيقدم الخاص على العام فلذلك ترجح عندنا اختصاص الأخ وإن كان الآخر محتملا وهو مشاركة ابن الأخ له والله أعلم، ومن المرجحات أيضا أن قوله يستحق مطلق لأنه فعل في سياق الإثبات لا عموم له والمطلق يكفي في العمل به صورة واحدة وقد عملنا به في استحقاقه نصيب والده فلا يعمل به في غيره، وقوله قبل استحقاقه شيئا يقتضي أنه لم يستحق شيئا أصلا وهو كذلك في حياة والده، وقوله استحق ولده فعل مطلق، وقوله ما كان والده يستحقه عام لأن ما للعموم وهذا العموم بالنسبة إلى جميع نصيب والده وهو معمول به فيه بالنسبة إلى ذلك النصيب وإلى نصيب من يموت بعد ذلك. (فائدة) قال البلقيني الترتيب يستفاد من صريح مرة ومن ظاهر أخرى ومن محتمل بقرينة فمن الصريح تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى ومن الظاهر التعبير بثم وأما المحتمل بالقرينة فكقوله وقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي فإذا انقرض أولادي فهو لأولاد أولادي فإن قوله فإذا انقرض أولادي قرينة دالة على أنه أراد بالواو والترتيب (فائدة) ومما أكد الترتيب في هذا السؤال الذي نحن فيه تعبيره أولا بثم في قوله ثم لأولادهم ثم لذريتهم وقوله طبقة بعد طبقة فإن هذه الجملة مع التعبير بثم تفيد الترتيب فلا يستحق أحد من الطبقة الثانية شيئا حتى تنقرض جميع الطبقة الأولى وهكذا في سائر الطبقات كما هو منقول في الشرح والروضة، ومما يؤكد ذلك أيضا زيادة لفظة أبدا في قوله تحجب الطبقة العليا منهم أبدا الطبقة السفلى فإنها تفيد أمرين التأييد والتأكيد فالتأييد يفيد الاطراد في كل وقت وزمان فلا تحتمل الجملة معه التخصيص بخلاف ما سقطت منه فإنها تحتمل التخصيص ببعض الأشخاص في بعض الأحيان فالتأكيد يفيد دفع توهم عدل الشمول فيثبت الشمول المقصود هنا وهو حجب كل أعلى لكل أسفل شمولا حقيقيا لا يقبل التخصيص ببعض الأفراد وإلا لذهبت فائدة التأكيد. (فائدة) ومما يؤكد ذلك أيضا تنصيص الواقف على تقديم الأخ الشقيق على الأخ للأب وابن العم الشقيق على ابن العم للأب فإذا كان الواقف لم يعط أهل الدرجة كلهم بل خص منهم الأخوة ولم يعط الأخوة كلهم بل قدم الأخ الشقيق على الأخ للأب مع أن أباهما واحد لأجل زيادة القرب بالأم فكيف يعطى من له أب آخر مع من هو أعلى من درجته فإن تمسك متمسك بقوله ومن مات قبل الاستحقاق أقيم ولده مقامه قلنا يلزمه أن يعطى الأخ للأب مع الأخ الشقيق لأن أباه بهذا الوصف فيقام ولده مقامه فإن قال في الجواب وقفت مع نص الواقف على تقديم الشقيق وقدمته على عموم تلك الجملة قلنا له نقف هنا مع نص الواقف على تقديم الأقرب إلى المتوفى وعلى حجب الطبقة العليا للسفلى وقدمه على عموم تلك الجملة فأما أن تسوى بينهما في المنع وأما أن تسوى بينهما في الإعطاء وإلا فالعمل بأحدهما دون الآخر تحكم. تقرير آخر بعبارة أخرى: يقال للمتمسك بعموم قوله ومن مات قبل الاستحقاق أقيم ولده مقامه القاعدة المقررة في الأصول أنه إذا اجتمع نص خاص ولفظ عام فإنه يتمسك بالنص الخاص في تلك الصورة الخاصة ويخص به عموم اللفظ ويخرج من تلك الصورة الخاصة بذلك النص الخاص ويبقى بقية العموم يعمل به فيما عدا تلك الصورة وأما أن يلغى النص الخاص بالكلية ويتمسك بالعموم على عمومه فهذا شيء لا يقوله أحد، وهذا الذي نحن فيه فيه ثلاثة نصوص خاصة أحدها تقديم الأقرب إلى المتوفى فالأقرب من الأولاد وأولادهم، والثاني تقديم الأخوة من أهل الدرجة على غيرهم، والثالث تقديم الأخ الشقيق على الأخ للأب وتقديم ابن العم الشقيق على ابن العم للأب فهذه ثلاثة نصوص خاصة في صورة خاصة يتمسك بها فيها وتخص من عموم تلك الجملة ولا يعمل بتلك الجملة إلا فيما عدا هذه الصور الثلاث الخاصة فلا يعطى ابن العم للأب ولا الأخ للأب مع الشقيق منهما وإن كان أبوهما مات قبل الاستحقاق ولو عاش لاستحق ولا يقول قائل أعطيهما مع الشقيق لأجل قوله ومن مات قبل الاستحقاق أقيم ولده مقامه لأن هذه الصورة مخرجة بنص يخصها وكذلك لا يعطى سائر أهل الدرجة مع الأخوة تمسكا بذلك العموم لأنهم مخرجون بنص يخصهم وكذلك لا يعطى الأبعد من أولاد الأولاد مع الأقرب إلى المتوفى تمسكا بذلك العموم لأنه مخرج بنص يخصه فهذه الصور الثلاث يعمل بنصوصها الخاصة بها ويخرج من ذلك العموم وتبقى بقية ذلك العموم معمولا به فيما عداها والله أعلم.
|